استمتعتُ جداً بمشاهدة فيلم «آسيويون أغنياء مجانين» لأنه علاوة على المواقف والعبارات المثيرة للضحك التي احتواها ذكّرني بنقطة مهمة: أن آسيا الغنية أصبحت غنية حقاً ليس لأنه ليست لديها خلافات سياسية وقبلية وإثنية ودينية مثل المناطق الأخرى، ولكن لأنها تعلمت وضع تلك الخلافات جانبا والتركيز على بناء الأسس الحقيقية للثروة المستدامة، ألا وهي: التعليم، التجارة، والبنى التحتية، والرأسمال البشري، وفي أكثر البلدان نجاحا، حكم القانون. فقد أصبح معظم آسيا ينعم بالرخاء والازدهار ليس بفضل الموارد الطبيعية، وإنما من خلال استغلال واستثمار موارده البشرية – رجالاً ونساء – ومنحها الأدوات اللازمة لتحقيق إمكانياتها واستغلال طاقاتها.
وهو ما دفعني للتفكير في أنه لو قام أحد بصنع فيلم مماثل حول الشرق الأوسط، فيمكنه أن يسميه «شرق أوسطيون فقراء مساكين». لأنه، وفي ما عدا بعض الاستثناءات، فإن هذه المنطقة لم يسبق أن كانت بمثل الفوضى التي هي عليها اليوم، ولم يسبق أن تصارع فيها الناس حول من منهم يملك أي شجرة زيتون بمثل عدد من يتصارعون فيها اليوم، ولم يسبق أن كان لديها عدد أكبر من المدن التي تحولت إلى خراب بسبب تناحر الطوائف وأهدرت إمكانيات كبيرة جدا من اليوم.
إن المنطقة التي يفترض أن تكون غنية بشكل طبيعي في العالم أفقّرت نفسها لأنها سمحت بشكل متكرر للماضي بأن يدفن مستقبلها، والمنطقة التي هي فقيرة بشكل طبيعي أغنت نفسها، لأنها سمحت للمستقبل بدفن الماضي.
الآن، يقول الرئيس دونالد ترامب، إنه يريد الخروج من الشرق الأوسط. ولكن الخيارين الحقيقين أمام أميركا هناك ليسا هما البقاء أو الذهاب، وإنما: أن تكون ذكياً أو غبياً. وترامب أساء التقدير لأنه أوكل مهمة فرض النظام هناك لبعض حلفائنا، مثل إسرائيل وصديقه فلاديمير بوتين. واليوم، يتلقى ترامب درسا بخصوص ما يحدث عندما تعطي أميركا شيكاً على بياض لحلفاء وأصدقاء – يتقاسمون معنا بعض المصالح، ولكن لديهم أيضاً ميولات متطرفة خاصة بهم – ويتنازل عن الزعامة الدبلوماسية الحقيقية.
لنذهب إلى شريط الأحداث، فقد أجهدت إيران نفسها بسبب تمددها وسعيها لتوسيع نفوذها الديني والعسكري الضار في اليمن، والعراق، ولبنان، وسوريا، حيث تحالفت مع نظام بشار الأسد العلوي/الشيعي من أجل الانخراط في التطهير العرقي للسنة من مناطق من سوريا واستبدالهم بالشيعة. وهو عمل قبيح، قبيح للغاية.
وفي الأثناء، نسج رئيس الوزراء الإسرائيلي بذكاء علاقة مع بوتين خلال الثلاث سنوات الماضية – مع عشرات اللقاءات والاتصالات الهاتفية – وذلك لضمان أن تستطيع القوات الجوية الإسرائيلية الاشتغال ضد إيران في سوريا وأن تبقي روسيا الإيرانيين بعيداً عن الحدود الإسرائيلية، ولكن مع ذلك، ورغم أن الإسرائيليين تمكنوا من اختراق الوحدات الإيرانية لدرجة أن طائرات الحرس الثوري الإيراني المحملة بالصواريخ تحط في دمشق في السادسة مساء وإسرائيل تفجّرها بحلول الثامنة مساء – إلا أن الإيرانيين ما زالوا يواصلون محاولات تحويل سوريا إلى منصة صواريخ متقدمة ضد إسرائيل.
ويوم الثلاثاء، قصفت القوات الجوية الروسية محافظة إدلب – وهي آخر مركز تجمع رئيس للثوار الإسلاميين المعارضين للنظام في سوريا ومئات الآلاف من اللاجئين السنة الذين فروا من غازات النظام السامة وهجمات أخرى.
وقد بعث ترامب بتغريدة على تويتر قال فيها: «يجب على الرئيس السوري بشار الأسد ألا يقوم بمهاجمة محافظة إدلب بشكل متهور. سيرتكب الروس والإيرانيون خطأ إنسانياً فادحاً إن شاركوا في هذه المأساة الإنسانية الممكنة. فمئات الآلاف من الأشخاص يمكن أن يُقتلوا. لا تسمحوا بحدوث ذلك!».
وبالتالي، فيبدو أن ترامب رسم خطاً أحمر بتغريدته، ولكن لسان حال روسيا وإيران يقول للولايات المتحدة وإسرائيل: من دون جنود على الأرض، ليس لديكم الحق في التصويت. إننا سنجازف بكل شيء. فماذا سيفعل ترامب إذا تجاهلته إيران والأسد وروسيا؟
ثم ما الذي يفعله فريق ترامب في إسرائيل؟ فأولا، قام بنقل السفارة الأميركية إلى القدس – مانحاً الحكومة الإسرائيلية اليمينية بزعامة بينيامين نتنياهو جائزة كبرى - ولم يطلب شيئاً في مقابل ذلك.
والحال أنه كان بوسع ترامب أن يقول لنتنياهو إنه سيقوم بنقل السفارة، ولكن فقط في مقابل وقف إسرائيل لكل أنشطة البناء الاستيطاني خارج كتل الضفة الغربية في المناطق العربية ذات الكثافة السكانية التي من المرجح أن توضع تحت السيطرة الفلسطينية في أي اتفاق سلام. وكان من الممكن أن يساهم ذلك في الدفع بعملية السلام إلى الأمام، ولكن بدلاً من ذلك، تخلت الولايات المتحدة عن أوراقها الدبلوماسية القيّمة بالمجان. فما مدى الحماقة في ذلك؟
واليوم، أخذ فريق ترامب يعاقب الفلسطينيين بسبب عدم قبولهم التفاوض مع نتنياهو – الذي لم يضع أي اتفاق على الطاولة – عبر قطع المساعدات على السلطة الفلسطينية – مساعدات كانت تذهب إلى مشاريع مثل المياه ومعالجة الصرف الصحي – والمساهمات في تمويل «وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين»، التي تُعد مشغِّلاً رئيساً في الضفة الغربية وقطاع غزة والمصدر الرئيس للتعليم العلماني – أي غير التابع لحركات الإسلام السياسي – للفلسطينيين.
فترامب يعتقد أنه يستطيع ببساطة أن يستمر في الضغط على الفلسطينيين، وألا يطلب من إسرائيل أبداً القيام بأي شيء شاق، وأن يحول دون تدهور الأمور. والحال أن الأمور يمكن أن تتدهور وتزداد سوءاً. فالسلطة الفلسطينية يمكن أن تنهار – وعلى الرغم مما تعانيه من ضعف ومشكلات، إلا أنها إذا رحلت، فإنه سيصبح من الصعب إعادة البناء، وسيتعين على إسرائيل توفير كل الإدارة في الضفة الغربية بتكلفة باهظة جداً.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
وهو ما دفعني للتفكير في أنه لو قام أحد بصنع فيلم مماثل حول الشرق الأوسط، فيمكنه أن يسميه «شرق أوسطيون فقراء مساكين». لأنه، وفي ما عدا بعض الاستثناءات، فإن هذه المنطقة لم يسبق أن كانت بمثل الفوضى التي هي عليها اليوم، ولم يسبق أن تصارع فيها الناس حول من منهم يملك أي شجرة زيتون بمثل عدد من يتصارعون فيها اليوم، ولم يسبق أن كان لديها عدد أكبر من المدن التي تحولت إلى خراب بسبب تناحر الطوائف وأهدرت إمكانيات كبيرة جدا من اليوم.
إن المنطقة التي يفترض أن تكون غنية بشكل طبيعي في العالم أفقّرت نفسها لأنها سمحت بشكل متكرر للماضي بأن يدفن مستقبلها، والمنطقة التي هي فقيرة بشكل طبيعي أغنت نفسها، لأنها سمحت للمستقبل بدفن الماضي.
الآن، يقول الرئيس دونالد ترامب، إنه يريد الخروج من الشرق الأوسط. ولكن الخيارين الحقيقين أمام أميركا هناك ليسا هما البقاء أو الذهاب، وإنما: أن تكون ذكياً أو غبياً. وترامب أساء التقدير لأنه أوكل مهمة فرض النظام هناك لبعض حلفائنا، مثل إسرائيل وصديقه فلاديمير بوتين. واليوم، يتلقى ترامب درسا بخصوص ما يحدث عندما تعطي أميركا شيكاً على بياض لحلفاء وأصدقاء – يتقاسمون معنا بعض المصالح، ولكن لديهم أيضاً ميولات متطرفة خاصة بهم – ويتنازل عن الزعامة الدبلوماسية الحقيقية.
لنذهب إلى شريط الأحداث، فقد أجهدت إيران نفسها بسبب تمددها وسعيها لتوسيع نفوذها الديني والعسكري الضار في اليمن، والعراق، ولبنان، وسوريا، حيث تحالفت مع نظام بشار الأسد العلوي/الشيعي من أجل الانخراط في التطهير العرقي للسنة من مناطق من سوريا واستبدالهم بالشيعة. وهو عمل قبيح، قبيح للغاية.
وفي الأثناء، نسج رئيس الوزراء الإسرائيلي بذكاء علاقة مع بوتين خلال الثلاث سنوات الماضية – مع عشرات اللقاءات والاتصالات الهاتفية – وذلك لضمان أن تستطيع القوات الجوية الإسرائيلية الاشتغال ضد إيران في سوريا وأن تبقي روسيا الإيرانيين بعيداً عن الحدود الإسرائيلية، ولكن مع ذلك، ورغم أن الإسرائيليين تمكنوا من اختراق الوحدات الإيرانية لدرجة أن طائرات الحرس الثوري الإيراني المحملة بالصواريخ تحط في دمشق في السادسة مساء وإسرائيل تفجّرها بحلول الثامنة مساء – إلا أن الإيرانيين ما زالوا يواصلون محاولات تحويل سوريا إلى منصة صواريخ متقدمة ضد إسرائيل.
ويوم الثلاثاء، قصفت القوات الجوية الروسية محافظة إدلب – وهي آخر مركز تجمع رئيس للثوار الإسلاميين المعارضين للنظام في سوريا ومئات الآلاف من اللاجئين السنة الذين فروا من غازات النظام السامة وهجمات أخرى.
وقد بعث ترامب بتغريدة على تويتر قال فيها: «يجب على الرئيس السوري بشار الأسد ألا يقوم بمهاجمة محافظة إدلب بشكل متهور. سيرتكب الروس والإيرانيون خطأ إنسانياً فادحاً إن شاركوا في هذه المأساة الإنسانية الممكنة. فمئات الآلاف من الأشخاص يمكن أن يُقتلوا. لا تسمحوا بحدوث ذلك!».
وبالتالي، فيبدو أن ترامب رسم خطاً أحمر بتغريدته، ولكن لسان حال روسيا وإيران يقول للولايات المتحدة وإسرائيل: من دون جنود على الأرض، ليس لديكم الحق في التصويت. إننا سنجازف بكل شيء. فماذا سيفعل ترامب إذا تجاهلته إيران والأسد وروسيا؟
ثم ما الذي يفعله فريق ترامب في إسرائيل؟ فأولا، قام بنقل السفارة الأميركية إلى القدس – مانحاً الحكومة الإسرائيلية اليمينية بزعامة بينيامين نتنياهو جائزة كبرى - ولم يطلب شيئاً في مقابل ذلك.
والحال أنه كان بوسع ترامب أن يقول لنتنياهو إنه سيقوم بنقل السفارة، ولكن فقط في مقابل وقف إسرائيل لكل أنشطة البناء الاستيطاني خارج كتل الضفة الغربية في المناطق العربية ذات الكثافة السكانية التي من المرجح أن توضع تحت السيطرة الفلسطينية في أي اتفاق سلام. وكان من الممكن أن يساهم ذلك في الدفع بعملية السلام إلى الأمام، ولكن بدلاً من ذلك، تخلت الولايات المتحدة عن أوراقها الدبلوماسية القيّمة بالمجان. فما مدى الحماقة في ذلك؟
واليوم، أخذ فريق ترامب يعاقب الفلسطينيين بسبب عدم قبولهم التفاوض مع نتنياهو – الذي لم يضع أي اتفاق على الطاولة – عبر قطع المساعدات على السلطة الفلسطينية – مساعدات كانت تذهب إلى مشاريع مثل المياه ومعالجة الصرف الصحي – والمساهمات في تمويل «وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين»، التي تُعد مشغِّلاً رئيساً في الضفة الغربية وقطاع غزة والمصدر الرئيس للتعليم العلماني – أي غير التابع لحركات الإسلام السياسي – للفلسطينيين.
فترامب يعتقد أنه يستطيع ببساطة أن يستمر في الضغط على الفلسطينيين، وألا يطلب من إسرائيل أبداً القيام بأي شيء شاق، وأن يحول دون تدهور الأمور. والحال أن الأمور يمكن أن تتدهور وتزداد سوءاً. فالسلطة الفلسطينية يمكن أن تنهار – وعلى الرغم مما تعانيه من ضعف ومشكلات، إلا أنها إذا رحلت، فإنه سيصبح من الصعب إعادة البناء، وسيتعين على إسرائيل توفير كل الإدارة في الضفة الغربية بتكلفة باهظة جداً.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»